يسُر موقع الألوكة أن يقدّم هذه المادة.. وهي عبارة عن حوار بين محاوِر جريدة زمان التركية، وعالِمة الاجتماع الكاتبة (نظيفة شيشمان)، وهي كاتبة تركية محجَّبة، ومؤيِّدة للحجاب والنساء المحجبات، وتناهض فكرة منع الحجاب المطبَّقة في تركيا في مجالات القطاع العام والجامعات، وتدعو لإعادة رؤية وتقييم نظام العلمانية، بدلاً من تطبيقه بصورة عمياء تقليدًا للغرب، وبما لا يتفق مع مطالب الشعب التركي نفسه، وقامت بكتابة مجموعة من الكتب معلِنةً فيها عن آرائها، ومنها: "سياسة بدن المرأة: من الأمانة إلى التملك"، و"المحجبات في القطاع العام"، و"قصص قصيرة تحكي عن مظلومي الحجاب"، وغيرها.

لا توجد جماعة متجانسة تسمَّى "المحجبات"، فلا أحد يمثل أحدًا

يأتي النقاشُ والجدل حول الحجاب في الأجندة اليومية للأخبار في تركيا خلال الأربعين سنة الأخيرة، متزامنًا مع قوانين مَنْعِ الحجاب في الجامعات ووظائف القطاع العام؛ إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ الحديث بصورة أكبرَ حول هذه النقاشات، مع تزايد الاهتمام بنمط حياة الفئة المتديِّنة من الشَّعب.

وكان الإعلام المركزي من قبلُ يعتبر النساءَ المحجبات غيرَ موجودات تمامًا؛ غيرَ أن الإعلام في الوقت الحالي بدأ يُبْدي أمام الأنظار نساءً يشاركن في أعمال سلبيَّة ويرتكبْنَ الجرائمَ، لا سيما وهن محجبات، وكأنه لا يرى نماذجَ إيجابيةً، ومع هذا تنتقد الجماعة الإسلامية الفتيات الشابات اللاتي يرتدين ملابسَ ضيقةً، ويضعن مساحيق التجميل بمظاهر "المرأة التى تغطي رأسها، وتفعل كلَّ شيء أيضًا"، ولا سيما النساء المحجبات المتعلِّمات اللاتي من المدن، بينما يحاولن التخلص من النظر إليهن كـ"جاهلات، وقرويات، وعديمات اللياقة" من جهة، ويُتَّهمن بـ"الشغف بالتباهي وارتداء المركات الفاخرة" من الجهة الأخرى.

قامتْ عالمةُ الاجتماع الكاتبة (نظيفة شيشمان) بفحص وتحليل الجدل الذي يدور في تركيا وفي الغرب حول الحجاب، وذلك في كتابها الجديد الذي حَمَل عنوانَ: "الحجاب هو الحد الجديد لعالم غير المحدود" - تم طبعه في دار نشر (تماش) - وسألناها نحن - أي: جريدة زمان - بدَوْرنا عن هذه الضغوط المزدوجة التي تقع على النساء المحجبات، فأوضحتْ (نظيفة شيشمان): أنه لا يمكننا أن نتحدَّث عن جماعة متجانسة تُسمَّى "النساء المحجبات"، وقالت: إنه بالرغم من ذلك، فإنه تكوَّن انطباعٌ عامٌّ بأن جميع النساء المحجبات على مدى تاريخ الجمهورية يتشابَهْنَ في المستوى الاجتماعى المتدنِّي؛ أي: إنه سادَ الإحساسُ بأن النساء المحجبات كتلةٌ واحدة، متشابهة من حيث الشكل، وتُنسَب لهذه الكتلةِ صفاتٌ عامة.

مثل: الأمية، وانخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وأنهن قرويات أو ريفيات... إلخ، وكردِّ فعلٍ لحركة عدم التجانس هذه؛ ظهر تعبيرٌ تتَّخذه النساءُ المحجبات كجوابٍ لهن، مثل: "أنا أختلف عن الآخرين؛ فأنا لستُ محجبةً تَبَعًا للعادات وللتقاليد فقط، وأنا امرأة مثقفة، أفهمُ أيضًا في الفنون، وبالإضافة إلى ذلك، فأنا امرأة عصريَّة"، وتظل المرأة المحجبة مضطرةً لمثل هذه الأقوال الدفاعية، حتى وهي تحاول تكوينَ هُويةٍ لها بصورة مختلفة على هذا النحو، وذكرتْ (نظيفة شيشمان) أن تكوين هذه الصورة المختلفة للمحجبات، سيتحقَّق عن طريق رسوخ مبدأ ونمطٍ معيَّن لدى الشخص، وأكَّدت أنه يلزم لتحقيق هذا تهذيبٌ في الشخصية والهُوية أولاً، قبل المظهر الخارجي والملابس.

ظاهرة المجلات التافهة كثيرةِ الصورِ، تقطعُ العلاقة بين غطاء الرأس والأشياء الأخرى:
تعتقد (نظيفة شيشمان) أن مشاركة النساء اللاتي يُغطِّين رؤوسهن في مواقفَ لا تلائم التديُّنَ، تشير إلى وتيرة ضياع خاصية الحجاب؛ كونه مُذكِّرًا بالدِّين، وتوضح الكاتبة رأيَها على النحو التالي:
"في السبعينيات والثمانينيات كانت الإجابة واضحة جدًّا على سؤال: لماذا تغطي فتاةٌ رأسَها، لا سيما إذا كانت من طلاَّب العلم، أو من المدينة؟ ولكن اليوم ليستْ واضحةً بالنسبة لي – وكذلك بالنسبة للعديد من الأشخاص – إجابةُ سؤال: لماذا تغطي فتاةٌ رأسَها، وهي تضع على وجهها مستحضرات التجميل، وترتدي تنورة ذات فاتحة خلفية، مدَّعيةً أنه لا فرق بينها وبين أترابها وأصدقائها؟!

فيمكن القول بأن ظاهرة المجلات التافهة، التي تظهر بها صورٌ لزوجات السياسيين بأغطية رأس أنيقة ومزركشة - هي عمليةٌ منظَّمة، من شأنها قطعُ العلاقة بين غطاء الرأس والأشياء الأخرى، وبناءً على هذا تتراوح النقاشات حول الحجاب بين أنه يحمل معنًى كبيرًا، وأنه لا يحمل معنى على الإطلاق، ولغةُ المجلات هذه تخدم كسبَ واقعيةٍ للاقتناع العام بأن الحجاب لا يحمل معنًى آخرَ غير أنه من كماليات الزينة".

وكما ترى ( نظيفة شيشمان)، فإنه إذا كان ليس من الصواب تصنيفُ كلِّ النساء المحجبات ضمنَ مجموعة "مَن أتى من القرية أمس"، فيجب أيضًا ألاَّ نغضَّ الطرْف عن أن هناك جزءًا من الفتيات الشابات يغطين رؤوسهن تحت ضغطٍ من العائلة في ضواحي المدن، باعتبار غطاء الرأس نوعًا من المحافظة.

وعن سؤال: لماذا يوجد إصرار على طرح قضية الحجاب في كل موضوع، حتى لو لم يكن موضوعًا دينيًّا؟

تجيب عليه على النحو الآتي: "إذا نظرنا من الناحية الاجتماعية، يمكننا أن نذكر أسبابًا، مثل: البحث عن الهُوية، وموضة الحجاب، والسعي نحو تعويض الإحساس بالضياع الناجم عن الهجرة للمدن، عن طريق المحافظة على الخصوصية الشكلية".

نظيفة شيشمان:
المشاحنات الكلامية تَحُول دون نضوج الفرد:
"لم يعد أحد يمثِّل أحدًا في هذا العالم العصري؛ ولكن يقع على عاتق النساء المحجبات عبءُ التمثيل؛ بسبب وجود الإحساس في تركيا بعدم تجانس المرأة المحجبة، ومن جهة أخرى يجب علينا ألاَّ نرى التأكيد على خصوصية معينة في زي وملابس الفرد، وظهور توقعات معينة متعلِّقة بهذا الفرد، وكأنهما شيئان منفصلان تمامًا؛ لأن لهذه التوقعات بُعدًا تربويًّا أيضًا، لكن المشاحنات الكلامية التى تحدث اليوم في تركيا، تَحُول دون نضوج الفرد؛ فهي لا تؤدي إلا لرؤية المحجبات كصورة واحدة، فعندما يفعل شخص شيئًا، يُنسَب إلى الجميع، وهذا الوضع له علاقة أيضًا بخشونة لغة السياسة".

تتأثر النساء المسلمات أيضًا بالحياة العصرية:
تَذكُر عالمة الاجتماع الكاتبة (نظيفة شيشمان): أن النساء المسلمات يعشْنَ داخل حياة عصرية، وأنهن يتأثرن بهذا كسائر البشر، وتوضح على النحو الآتي كيف تكون الرؤية المختلفة للحياة العصرية:
"إن التكنولوجيا المتغيِّرة، والتمدين، والمنظومة الحديثة للحياة العملية، كلُّ هذا يؤثِّر على حياتنا جميعًا، وبهذا المعنى فنحن جميعًا عصريون، ولا مفرَّ من مواجهتنا للمشكلات التى تواكب هذه الحياة العصرية، وإذا قلتم: ولكن ما المختلف؟

نقول:
أولاً: لا يرى المسلمون الحياة العصرية إلا كظروف محيطة بنا، ولا يضيفون "ما هو أفضل" لما هو حديث، ولكن بالعكس يصبحون تابعين للحديث.

ثانيًا: إن ترتيب الأولويات في الحياة هو ما يميِّز الناسَ بعضهم عن بعض، ومن هذا المنظور لا ينحصر سعي وهمَّة المسلمين في المجال الاقتصادي فقط، وإنما يُنظر بعين التقدير للمساعي في المجالات الاجتماعية، والدينية، والأخلاقية، فإذا قلنا: إن الحياة هي مهلة من أجل تقديم الخدمات، فيمكن عرض الاختلاف الكمي لنوع المجال الذي تنتمي له هذه الخدمة، ولكن لا يوجد أي اختلاف كيفي.

وعندما ننظر من هذه الزاوية، فإنها تتفرع من تصنيف "المرأة العاملة"، وفي الواقع إن ما بين المرأة والحياة العملية هو ظاهرة التوتر العصري؛ لأن التاريخ يوضح لنا أن النساء لم يكنَّ أبدًا كائنًا طفيليًّا يجلس دون عمل؛ ففي المجتمعات البدوية والمجتمعات القروية، كانت النساء يعملن دائمًا، وفي المدن أيضًا كانت النساء يقمن معظم الوقت بالإنتاج في بيوتهن، وكأنها مصنع صغير، وبعد ظهور مفهوم "فترة العمل والمناوبة" الجديد، مع حركة الثورة الصناعية، أدَّى ذلك إلى ظهور علاقة متوترة بين المرأة والحياة العملية.

لأن هذا المفهوم الصارم لفترة العمل والمناوبة، كان يفصل الأمومة وحياة المنزل تمامًا عن حياة العمل، فأجبرَتِ الظروفُ المرأةَ المسلمة على ترتيب أولوياتها، وهذه الظروف لها علاقة مباشرة بالمنظومة الاقتصادية في وقتنا الحاضر، ولهذا السبب تُواجه بالتأكيد النساءُ المحجبات - مع سائر البشر - المشكلاتِ الاجتماعيةَ، والسياسية، والتكنولوجية المشتركة؛ ولكن ما يميِّزهن ليس فقط غطاءُ الرأس، وإنما اختلافُهن عن الأُخريات في ترتيب الأولويات، حتى وإن عشن في الظروف نفسها.

قرينات بعض كبار رجال الدولة محجبات، ولكن يستمر منعُ الحجاب:
إن حجاب كلٍّ من قرينة رئيس الجمهورية، وقرينة رئيس الوزراء، وكذلك زوجات بعض الوزراء - يعطي انطباعًا وكأن مشاكلَ الحجابِ في تركيا قد تمَّ حلُّها تمامًا، حتى إن بعض المناصرين لمنع الحجاب يقولون: إن رؤية الحجاب في الطبقة العليا من المجتمع لهو بمثابة مكافأة للمحجبات، بَيْدَ أنه لا يوجد أيُّ فرق في الوضع الحقيقي عمَّا كان سابقًا، فما زال الحجاب يشكل عائقًا جديًّا في دخول الجامعات وهيئات القطاع العام، أما عن واقع هذه الأفعال، فهي متعلِّقة بانتظار الشعب لحل المسؤولين لهذه المشكلة، فأنا أعتقد أنه وراء حدوث هذه الأفعال مجموعةٌ من الحسابات؛ كعدم تفاقم الوضع أكثرَ من ذلك، ولكن هناك احتجاجات بشكل مستمر منذ سنوات، وإن كان لا يُعلن عنها كثيرًا في الأخبار اليومية، فمثلاً تستمر بعض البرامج السياسية في مدينتي (أضا بازارى) و(أنقرة) في المظاهرات بشكل منتظم.